نظمت كلية أصول الدين بتطوان ندوة علمية بمناسبة الاحتفاء بعيد الاستقلال المجيد في موضوع "الجامعة وأهميتها في حماية الهوية وتدعيم المكتسبات الوطنية" أطرها السيد عميد كلية أصول الدين الدكتور محمد الفقير التمسماني، وبمشاركة الأساتذة: الدكتور عبد العزيز رحموني والدكتور إبراهيم إمونن والأستاذ زين العابدين الحسيني، وذلك يوم الخميس 08 دجنبر 2016 م الموافق لـ 08 ربيع الأول 1438هـ بقاعة الندوات بالكلية.
افتتحت الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تلتها كلمة السيد عميد الكلية الترحيبية والتي تضمنت عبارات الشكر والتقدير للأساتذة المشاركين في الندوة وللحضور من الأساتذة والباحثين والطلبة، مذكرا فضيلته بسياق الندوة الذي يأتي في إطار احتفال المغاربة اعتزازا وفخرا بعيد الاستقلال المجيد، ومنه اكتسى موضوع الندوة أهميته؛ إذ الذكريات الوطنية توجب على الطلبة الحرص على الاستفادة من العصارة العلمية التي يقدمها خيرة الأساتذة المؤطرين لمثل هذه المواضيع، والتي تسهم في استكمال وصقل التكوين العلمي للطلبة؛ إذ الأنشطة الثقافية هي أنشطة موازية تشكل إلى جانب الأنشطة العلمية والبحثية هوية المؤسسة الجامعية ولا تقل عنها أهمية. وتكمن أهمية موضوع الندوة في اعتباره ضرورة دراسية، لتدارس سيرة الشخصيات الوطنية العظيمة والكشف عن إسهاماتها الجليلة في هذه المناسبات، ويدخل ذلك في إطار تفعيل دراسة الذكريات وإخراجها من جمود الجمع والتدوين، ولذلك كله غاية جليلة في الاعتبار والتعلم من التاريخ والذاكرة المغربية للإسهام في بناء حاضر الأمة المغربية وتثبيت ودعم هذا البناء والاستشراف به على مستقبل نسهم فيه جميعا بالتطوير والتجديد. وفي ختام كلمته دعى فضيلته الجميع إلى قراءة عميقة فاحصة متدبرة للتاريخ واستخلاص الدروس والعبر وأمجاد وطننا، مستحضرين كون الاستقلال نعمة وجب شكر المنعم بها وهو الله سبحانه أولا ثم أولئك الرجال العظام الذين كان لهم الفضل الكبير في ما ننعم به نحن الآن من الملوك العلويين والقادة والعلماء والمجاهدين والمقاومين وأن نترحم على شهدائنا الأبطال.
ذكَّر الأستاذ زين العابدين الحسيني في مستهل كلمته بأن دور الجامعة ليس قاصرا على التلقين والتحصيل ومراكمة المعلومات، بل وجب الوعي بدورها الأساس في تنمية القدرات الشخصية ومهارة الاكتساب التي لا تتحقق إلا بمثل هذه الملتقيات ومناقشات الرسائل الجامعية وغيرها من الأنشطة الموازية، معتبرا أن تقدم البلاد مرتبط في أحد جوانبه باطلاع جميع فئات مجتمعه واهتمامهم بالشأن العام وتدبير الدولة محليا وجهويا ووطنيا، لا سيما المكونات الجامعية من أطر وباحثين وطلبة، ولهذه الأهمية كانت مسألة التكوين من أولويات الدولة؛ حيث حرصت بعد استقلالها مباشرة بعد إعادة النظر وملء الفراغ فيما يخص القوانين والتشريعات ووضع النصوص الأساسية في تسير الدولة، على إحداث المؤسسة الأكاديمية الرائدة وهي مؤسسة جامعة محمد الخامس التي اضطلعت بدور حضاري ريادي، وأصبحت اليوم من المؤسسات الهامة الراقية حيث سطرت خطا واضح المعالم فيما يخص حماية الهوية الوطنية على المستوى الوطني: من خلال التعريف بالتاريخ الوطني وصيانة الذاكرة الوطنية، والبحث في الوثائق الغميسة في المكتبات العامة والخاصة، وعلى المستوى المحلي أسهمت في تطوير الواقع الثقافي الحضاري. ولذلك كله ذكَّر الأستاذ زين العابدين الحسيني في ختام كلمته بأن الرهان على استمرار المؤسسة الجامعية في القيام برسالتها في الحفاظ على المكتسبات الوطنية وتنمية القدرات هو وعي المكونات الجامعية من الأساتذة والطلبة بهذا الدور الهام، والمعول في ذلك على هذه الندوات ومناقشة المواضيع الوطنية والاهتمام بها على الوجه الأليق.
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ عبد العزيز رحموني والذي تحدث عن موضوع المواطنة وقيم المواطنة وملامح من رسالة الجامعة في تعزيز قيم المواطنة، مقدما للموضوع بالتذكير بأن الاحتفال بالمناسبات الوطنية له غاية عظيمة في التذكير بالبطولات والأمجاد والتضحيات المادية والمعنوية للآباء والأجداد في سبيل الوطن، وهم الذين عبَّدوا الطريق للعيش في الأمن والحرية، فوجب اتخاذهم قدوة في حب وحماية الوطن والدفاع عن أمنه واستقراره. وذكر الاستاذ رحموني أن موضوع المواطنة يكتسي أهميته من كونه موضوعا آنيا ضروريا في حياة الفرد والمجتمع، والذي برزت الحاجة إليه لإشباع قيمه الوطنية وإعادة الثقة لنفس المواطن. معتبرا أن مفهوم المواطنة الصحيح في نفس كل مواطن هو إحساسه بالعضوية داخل وطنه والتي توجب عليه أن يعلم ويعي ما له من حقوق داخل الوطن وما عليه من واجبات أهمها الدفاع عن استقرار الوطن وضمان تقدمه، وذلك في إطار ما يخوله مفهوم المواطنة الإنساني من التفاعل الحر بين الإنسان والوطن من جهة، وبينه وبين قيم الحرية والعدل والمساواة وغير ذلك من قيم المواطنة الهادفة إلى تعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن، والتي لها آثار إيجابية على تقدم المجتمع وازدهار البلاد. ثم عرج على التذكير بالدور الأساس للجامعة في تجديد هذا الوعي وفي استقرار المجتمع وتنميته والتغلب على مشاكله الاجتماعية، ومثَّل لذلك بدور جامعة القرويين البطولي في إيقاظ الضمائر والهمم في سبيل توحيد الصفوف.
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الأستاذ إبراهيم إمونن ليتحدث عن الجامعة المغربية بين الرسالة العلمية ورهان الهوية، وقدم للموضوع بالتنبيه على مناسبة الزمان والمكان للحديث عن الهوية وارتباطها بمسؤوليات الجامعة؛ فالزمان هو زمن احتفال المغاربة بمناسبة وطنية مجيدة فتحت المجال أمام التذكير بضرورية الشعور بالهوية والانتماء إلى الوطن من أجل الدفاع عنه وضمان تقدمه، والمكان وهو كلية أصول الدين التي لا يستغرب احتضانها لندوات في مثل هذه المواضيع الوطنية، لكونها ركنية في الهوية الدينية والفكرية والعلمية. وسجل خلال مداخلته وقفات فاحصة عند موضوع الهوية وخاصة الهوية الإسلامية المغربية والتي تمثل قوام وجود المواطن المغربي واستمراره وتقدمه، هذه الثلاثية التي تدخل ضمن المسؤولية العظمى التي خصت بها الجامعة باعتبارها قلب الأمة، في القيام برسالتها العلمية في التوعية بالهوية على الوجه الصحيح والتي تؤثر إيجابا في صلاح المجتمع المغربي.
وختم بتوصيات أهمها:
ضرورة تكاثف الجهود لإحياء الدور الحقيقي لمؤسسة الجامعة.
توجيه العناية بالبحوث الخادمة لهذا الهدف الأسمى أي بث وترسيخ الوعي بالهوية بجميع أبعادها.
مضاعفة الأنشطة التي تسهم في مجال التعريف بقيمة الاشتغال العلمي بموضوع الهوية والثوابت والاختيارات.
إشراك فعاليات علمية في مجالات متعددة في هذا الورش العلمي الكبير.
واختتمت الندوة بمداخلات الحضور ومناقشتهم للأساتذة المؤطرين في جو علمي رصين.